Jumat, 27 Desember 2013

MAKNA RUH (1)




HAKEKAT RUH ?


AL-ISRA’ AYAT 85

اعلم أنه تعالى لما ختم الآية المتقدمة بقوله : { كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ } وذكرنا أن المراد منه مشاكلة الأرواح للأفعال الصادرة عنها وجب البحث ها هنا عن ماهية الروح وحقيقته فلذلك سألوا عن الروح وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : للمفسرين في الروح المذكورة في هذه الآية أقوال أظهرها أن المراد منه الروح الذي هو سبب الحياة ، روى أن اليهود قالوا لقريش اسألوا محمداً عن ثلاث فإن أخبركم باثنتين وأمسك عن الثالثة فهو نبي : اسألوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فسألوا رسول الله ??? ???? ???? ???? عن هذه الثلاثة فقال عليه السلام : غداً أخبركم ولم يقل إن شاء الله فانقطع عنه الوحي أربعين يوماً ثم نزل الوحي بعده : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْء إِنّى فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَاء الله } [ الكهف : 23 ، 24 ] ثم فسر لهم قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وأبهم قصة الروح ونزل فيه قوله تعالى : { وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى } وبين أن عقول الخلق قاصرة عن معرفة حقيقة الروح فقال : { وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً } ومن الناس من طعن في هذه الرواية من وجوه . أولها : أن الروح ليس أعظم شأناً ولا أعلى مكاناً من الله تعالى فإذا كانت معرفة الله تعالى ممكنة بل حاصلة فأي مانع يمنع من معرفة الروح . وثانيها : أن اليهود قالوا : إن أجاب عن قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين ولم يجب عن الروح فهو نبي وهذا كلام بعيد عن العقل لأن قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين ليست إلا حكاية من الحكايات وذكر الحكاية يمتنع أن يكون دليلاً على النبوة وأيضاً فالحكاية التي يذكرها إما أن تعتبر قبل العلم بنبوته أو بعد العلم بنبوته فإن كان قبل العلم بنبوته كذبوه فيها وإن كان بعد العلم بنبوته فحينئذ صارت نبوته معلومة قبل ذلك فلا فائدة في ذكر هذه الحكاية . وأما عدم الجواب عن حقيقة الروح فهذا يبعد جعله دليلاً على صحة النبوة . وثالثها : أن مسألة الروح يعرفها أصاغر الفلاسفة وأراذل المتكلمين فلو قال الرسول ??? ???? ???? ???? إني لا أعرفها لأورث ذلك ما يوجب التحقير والتنفير فإن الجهل بمثل هذه المسألة يفيد تحقير أي إنسان كان فكيف الرسول الذي هو أعلم العلماء وأفضل الفضلاء . ورابعها : أنه تعالى قال في حقه : { الرحمن * عَلَّمَ القرءان } [ الرحمن : 1 ، 2 ] { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً } [ النساء : 113 ] وقال : { وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْماً } [ طه : 114 ] وقال في صفة القرآن : { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كتاب مُّبِينٍ }

[ الأنعام : 59 ] ، وكان عليه السلام يقول : « أرنا الأشياء كما هي » فمن كان هذا حاله وصفته كيف يليق به أن يقول أنا لا أعرف هذه المسألة مع أنها من المسائل المشهورة المذكورة بين جمهور الخلق بل المختار عندنا أنهم سألوه عن الروح وأنه ??? ???? ???? ???? أجاب عنه على أحسن الوجوه وتقريره أن المذكور في الآية أنهم سألوه عن الروح والسؤال عن الروح يقع على وجوه كثيرة . أحدها : أن يقال ماهية الروح أهو متحيز أو حال في المتحيز أو موجود غير متحيز ولا حال في التحيز . وثانيها؛ أن يقال الروح قديمة أو حادثة . وثالثها : أن يقال الأرواح هل تبقى بعد موت الأجسام أو تفنى . ورابعها : أن يقال ما حقيقة سعادة الأرواح وشقاوتها وبالجملة فالمباحث المتعلقة بالروح كثيرة ، وقوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح } ليس فيه ما يدل على أنهم عن هذه المسائل سألوا أو عن غيرها إلا أنه تعالى ذكر له في الجواب عن هذا السؤال قوله : { قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى } وهذا الجواب لا يليق إلا بمسألتين من المسائل التي ذكرناها إحداهما السؤال عن ماهية الروح والثانية عن قدمها وحدوثها .

أما البحث الأول : فهم قالوا ما حقيقة الروح وماهيته؟ أهو عبارة عن أجسام موجودة في داخل هذا البدن متولدة من امتزاج الطبائع والأخلاط ، أو عبارة عن نفس هذا المزاج والتركيب أو هو عبارة عن عرض آخر قائم بهذه الأجسام ، أو هو عبارة عن موجود يغاير هذه الأجسام والأعراض؟ فأجاب الله عنه بأنه موجود مغاير لهذه الأجسام ولهذه الأعراض وذلك لأن هذه الأجسام أشياء تحدث من امتزاج الأخلاط والعناصر ، وأما الروح فإنه ليس كذلك بل هو جوهر بسيط مجرد لا يحدث إلا بمحدث قوله : { كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران : 47 ] فقالوا لم كان شيئاً مغايراً لهذه الأجسام ولهذه الأعراض فأجاب الله عنه بأنه موجود يحدث بأمر الله وتكوينه وتأثيره في إفادة الحياة لهذا الجسد ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه فإن أكثر حقائق الأشياء وماهياتها مجهولة . فإنا نعلم أن السكنجبين له خاصية تقتضي قطع الصفراء فأما إذا أردنا أن نعرف ماهية تلك الخاصية وحقيقتها المخصوصة فذاك غير معلوم فثبت أن أكثر الماهيات والحقائق مجهولة ولم يلزم من كونها مجهولة نفيها فكذلك ها هنا وهذا هو المراد من قوله : { وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً } .

وأما المبحث الثاني : فهو أن لفظ الأمر قد جاء بمعنى الفعل قال تعالى : { وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } [ هود : 97 ] وقال : { فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا } [ هود : 66 ] أي فعلنا فقوله : { قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى } أي من فعل ربي وهذا الجواب يدل على أنهم سألوه أن الروح قديمة أو حادثة فقال بل هي حادثة وإنما حصلت بفعل الله وتكوينه وإيجاده ثم احتج على حدوث الروح بقوله : { وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً } يعني أن الأرواح في مبدأ الفطرة تكون خالية عن العلوم والمعارف ثم يحصل فيها العلوم والمعارف فهي لا تزال تكون في التغيير من حال إلى حال وفي التبديل من نقصان إلى كمال والتغيير والتبديل من أمارات الحدوث فقوله : { قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى } يدل على أنهم سألوه أن الروح هل هي حادثة فأجاب بأنها حادثة واقعة بتخليق الله وتكوينه وهو المراد من قوله : { قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى } ثم استدل على حدوث الأرواح بتغيرها من حال إلى حال وهو المراد من قوله : { وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً } فهذا ما نقوله في هذا الباب ، والله أعلم .

المسألة الثانية : في ذكر سائر الأقوال المقولة في نفس الروح المذكورة في هذه الآية . اعلم أن الناس ذكروا أقوالاً أخرى سوى ما تقدم ذكره ، فالقول الأول : أن المراد من هذا الروح هو القرآن قالوا وذلك لأن الله تعالى سمى القرآن في كثير من الآيات روحاً واللائق بالروح المسؤول عنه في هذا الموضع ليس إلا القرآن فلا بد من تقرير مقامين . المقام الأول : تسمية الله القرآن بالروح يدل عليه قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] وقوله : { يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ } [ النحل : 2 ] وأيضاً السبب في تسمية القرآن بالروح أن بالقرآن تحصل حياة الأرواح والعقول لأن به تحصل معرفة الله تعالى ومعرفة ملائكته ومعرفة كتبه ورسله والأرواح إنما تحيا بهذه المعارف وتمام تقرير هذا الموضع ذكرناه في تفسير قوله : { يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ } [ النحل : 2 ] ، وأما بيان المقام الثاني وهو أن الروح اللائق بهذا الموضع هو القرآن لأنه تقدمه قوله : { وَنُنَزّلُ مِنَ القرءان مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ } [ الإسراء : 82 ] والذي تأخر عنه قوله : { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [ الإسراء : 86 ] إلى قوله : { قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرءان لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [ الإسراء : 88 ] فلما كان قبل هذه الآية في وصف القرآن وما بعدها كذلك وجب أيضاً أن يكون المراد من هذا الروح القرآن حتى تكون آيات القرآن كلها متناسبة متناسقة وذلك لأن القوم استعظموا أمر القرآن فسألوا أنه من جنس الشعر أو من جنس الكهانة فأجابهم الله تعالى بأنه ليس من جنس كلام البشر وإنما هو كلام ظهر بأمر الله ووحيه وتنزيله فقال : { قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى } أي القرآن ظهر بأمر ربي وليس من جنس كلام البشر . والقول الثاني : أن الروح المسؤول عنه في هذه الآية ملك من ملائكة السموات وهو أعظمهم قدراً وقوة وهو المراد من قوله تعالى :

{ يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً } [ النبأ : 38 ] ونقلوا عن علي بن أبي طالب ??? ???? ??ه أنه قال : هو ملك له سبعون ألف وجه ، لكل وجه سبعون ألف وجه ، لكل وجه سبعون ألف لسان ، لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى بتلك اللغات كلها ويخلق الله من كل تسبيحة ملكاً يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة قالوا ولم يخلق الله تعالى خلقاً أعظم من الروح غير العرش ولو شاء أن يبتلع السموات السبع والأرضين السبع ومن فيهن بلقمة واحدة لفعل ، ولقائل أن يقول هذا القول ضعيف وبيانه من وجوه . الأول : أن هذا التفصيل لما عرفه علي ، فالنبي أولى أن يكون قد عرفه فلم لم يخبرهم به ، وأيضاً أن علياً ما كان ينزل عليه الوحي ، فهذا التفصيل ما عرفه إلا من النبي ??? ???? ???? ???? فلم ذكر النبي ??? ???? ???? ???? ذلك الشرح والبيان لعلي ولم يذكره لغيره . الثاني : أن ذلك الملك إن كان حيواناً واحداً وعاقلاً واحداً لم يكن في تكثير تلك اللغات فائدة وإن كان المتكلم بكل واحدة من تلك اللغات حيواناً آخر لم يكن ذلك ملكاً واحداً بل يكون ذلك مجموع ملائكة . والثالث : أن هذا شيء مجهول الوجود فكيف يسأل عنه ، أما الروح الذي هو سبب الحياة فهو شيء تتوفر دواعي العقلاء على معرفته فصرف هذا السؤال إليه أولى . والقول الرابع : وهو قول الحسن وقتادة أن هذا الروح جبريل والدليل عليه أنه تعالى سمى جبريل بالروح في قوله : { نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ } [ الشعراء : 193 ، 194 ] وفي قوله : { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا } [ مريم : 17 ] ويؤكد هذا أنه تعالى قال : { قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى } ( في جبريل ) وقال ( حكاية عن ) جبريل : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ } [ مريم : 64 ] فسألوا الرسول كيف جبريل في نفسه وكيف قيامه بتبليغ الوحي إليه . والقول الخامس : قال مجاهد : الروح خلق ليسوا من الملائكة على صورة بني آدم يأكلون ولهم أيد وأرجل ورؤوس وقال أبو صالح يشبهون الناس وليسوا بالناس ولم أجد في القرآن ولا في الأخبار الصحيحة شيئاً يمكن التمسك به في إثبات هذا القول وأيضاً فهذا شيء مجهول فيبعد صرف هذا السؤال إليه فحاصل ما ذكرناه في تفسير الروح المذكور في هذه الآية هذه الأقوال الخمسة ، والله أعلم بالصواب .

المسألة الثالثة : في شرح مذاهب الناس في حقيقة الإنسان ، اعلم أن العلم الضروري حاصل بأن ها هنا شيئاً إليه يشير الإنسان بقوله أنا وإذا قال الإنسان علمت وفهمت وأبصرت وسمعت وذقت وشممت ولمست وغضبت فالمشار إليه لكل أحد بقوله أنا إما أن يكون جسماً أو عرضاً أو مجموع الجسم والعرض أو شيئاً مغايراً للجسم والعرض أو من ذلك الشيء الثالث فهذا ضبط معقول . أما القسم الأول : وهو أن يقال إن الإنسان جسم فذلك الجسم إما أن يكون هو هذه البنية أو جسماً داخلاً في هذه البنية أو جسماً خارجاً عنها ، أما القائلون بأن الإنسان عبارة عن هذه البنية المحسوسة وعن هذا الجسم المحسوس فهم جمهور المتكلمين وهؤلاء يقولون الإنسان لا يحتاج تعريفه إلى ذكر حد أو رسم بل الواجب أن يقال الإنسان هو الجسم المبني بهذه البنية المحسوسة واعلم أن هذا القول عندنا باطل وتقريره أنهم قالوا : الإنسان هو هذا الجسم المحسوس ، فإذا أبطلنا كون الإنسان عبارة عن هذا الجسم وأبطلنا كون الإنسان محسوساً فقد بطل كلامهم بالكلية والذي يدل على أنه لا يمكن أن يكون الإنسان عبارة ( عن ) هذا الجسم وجوه . الحجة الأولى : أن العلم البديهي حاصل بأن أجزاء هذه الجثة متبدلة بالزيادة والنقصان تارة بحسب النمو والذبول وتارة بحسب السمن والهزال والعلم الضروري حاصل بأن المتبدل المتغير مغاير للثابت الباقي ويحصل من مجموع هذه المقدمات الثلاثة العلم القطعي بأن الإنسان ليس عبارة عن مجموع هذه الجثة . الحجة الثانية : أن الإنسان حال ما يكون مشتغل الفكر متوجه الهمة نحو أمر معين مخصوص فإنه في تلك الحالة غير غافل عن نفسه المعينة بدليل أنه في تلك الحالة قد يقول غضبت واشتهيت وسمعت كلامك وأبصرت وجهك ، وتاء الضمير كناية عن نفسه فهو في تلك الحالة عالم بنفسه المخصوصة وغافل عن جملة بدنه وعن كل واحد من أعضائه وأبعاضه و ( يكون ) المعلوم غير معلوم ، فالإنسان يجب أن يكون مغايراً لجملة هذا البدن ولكل واحد من أعضائه وأبعاضه . الحجة الثالثة : أن كل أحد يحكم عقله بإضافة كل واحد من هذه الأعضاء إلى نفسه فيقول رأسي وعيني ويدي ورجلي ولساني وقلبي والمضاف غير المضاف إليه فوجب أن يكون الشيء الذي هو الإنسان مغايراً لجملة هذا البدن ولكل واحد من هذه الأعضاء . فإن قالوا : قد يقول نفسي وذاتي فيضيف النفس والذات إلى نفسه فيلزم أن يكون الشيء وذاته مغايرة لنفسه وهو محال قلنا قد يراد به هذا البدن المخصوص وقد يراد بنفس الشيء وذاته الحقيقة المخصوصة التي يشير إليها كل أحد بقوله أنا فإذا قال نفسي وذاتي فإن كان المراد البدن فعندنا أنه مغاير لجوهر الإنسان ، أما إذا أريد بالنفس والذات المخصوصة المشار إليها بقوله : أنا فلا نسلم أن الإنسان يمكنه أن يضيف ذلك الشيء إلى نفسه بقوله إنساني وذلك لأن عين الإنسان ذاته فكيف يضيفه مرة أخرى إلى ذاته . الحجة الرابعة؛ أن كل دليل على أن الإنسان يمتنع أن يكون جسماً فهو أيضاً يدل على أنه يمتنع أن يكون عبارة عن هذا الجسم وسيأتي تقرير تلك الدلائل . الحجة الخامسة : أن الإنسان قد يكون حياً حال ما يكون البدن ميتاً فوجب كون الإنسان مغايراً لهذا البدن والدليل على صحة ما ذكرناه قوله تعالى :

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ الله أمواتا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } [ آل عمران : 169 ] فهذا النص صريح في أن أولئك المقتولين أحياء والحس يدل على أن هذا الجسد ميت .

الحجة السادسة : أن قوله تعالى : { النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } [ غافر : 46 ] وقوله : { أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً } [ نوح : 25 ] يدل على أن الإنسان يحيا بعد الموت وكذلك قوله ???? ?????? ??????? : « أنبياء الله لا يموتون ولكن ينقلون من دار إلى دار » وكذلك قوله عليه السلام « القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار » وكذلك قوله ???? ?????? ??????? : « من مات فقد قامت قيامته » كل هذه النصوص تدل على أن الإنسان يبقى بعد موت الجسد ، وبديهة العقل والفطرة شاهدان بأن هذا الجسد ميت . ولو جوزنا كونه حياً جاز مثله في جميع الجمادات ، وذلك عين السفسطة . وإذا ثبت أن الإنسان شيء وكان الجسد ميتاً لزم أن الإنسان شيء غير هذا الجسد .

الحجة السابعة : قوله عليه السلام في خطبة طويلة له « حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرف روحه فوق النعش ، ويقول يا أهلي ويا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال من حله وغير حله فالغنى لغيري والتبعة علي فاحذروا مثل ما حل بي » وجه الاستدلال أن النبي ??? ???? ???? ???? صرح بأن حال ما يكون الجسد محمولاً على النعش بقي هناك شيء ينادي ويقول يا أهلي ويا ولدي جمعت المال من حله وغير حله ومعلوم أن الذي كان الأهل أهلاً له وكان جامعاً للمال من الحرام والحلال والذي بقي في رقبته الوبال ليس إلا ذلك الإنسان فهذا تصريح بأن في الوقت الذي كان فيه الجسد ميتاً محمولاً كان ذلك الإنسان حياً باقياً فاهماً وذلك تصريح بأن الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد ولهذا الهيكل .

الحجة الثامنة : قوله تعالى : { يأَيَّتُهَا النفس المطمئنة * ارجعى إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [ الفجر : 27 ، 28 ] والخطاب بقوله { ارجعي } إنما هو متوجه عليها حال الموت فدل هذا على أن الشيء الذي يرجع إلى الله بعد موت الجسد يكون حياً راضياً عن الله ويكون راضياً عنه الله والذي يكون راضياً ليس إلا الإنسان فهذا يدل على أن الإنسان بقي حياً بعد موت الجسد والحي غير الميت فالإنسان مغاير لهذا الجسد .

الحجة التاسعة : قوله تعالى : { حتى إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ * ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله مولاهم الحق } [ الأنعام : 61 ، 62 ] أثبت كونهم مردودين إلى الله الذي هو مولاهم حال كون الجسد ميتاً فوجب أن يكون ذلك المردود إلى الله مغايراً لذلك الجسد الميت .

الحجة العاشرة : نرى جميع فرق الدنيا من الهند والروم والعرب والعجم وجميع أرباب الملل والنحل من اليهود والنصارى والمجوس والمسلمين وسائر فرق العالم وطوائفهم يتصدقون عن موتاهم ويدعون لهم بالخير ويذهبون إلى زياراتهم ، ولولا أنهم بعد موت الجسد بقوا أحياء لكان التصدق عنهم عبثاً ، والدعاء لهم عبثاً ، ولكان الذهاب إلى زيارتهم عبثاً ، فالإطباق على هذه الصدقة وعلى هذا الدعاء وعلى هذه الزيارة يدل على أن فطرتهم الأصلية السليمة شاهدة بأن الإنسان شيء غير هذا الجسد وأن ذلك الشيء لا يموت ، بل ( الذي ) يموت هذا الجسد .

الحجة الحادية عشرة : أن كثيراً من الناس يرى أباه أو ابنه بعد موته في المنام ويقول له اذهب إلى الموضع الفلاني فإن فيه ذهباً دفنته لك وقد يراه فيوصيه بقضاء دين عنه ثم عند اليقظة إذا فتش كان كما رآه في النوم من غير تفاوت ، ولولا أن الإنسان يبقى بعد الموت لما كان كذلك ، ولما دل هذا الدليل على أن الإنسان يبقى بعد الموت ودل الحس على أن الجسد ميت كان الإنسان مغايراً لهذا الجسد الميت .

الحجة الثانية عشرة : أن الإنسان إذا ضاع عضو من أعضائه مثل أن تقطع يداه أو رجلاه أو تقلع عيناه أو تقطع أذناه إلى غيرها من الأعضاء فإن ذلك الإنسان يجد من قلبه وعقله أنه هو عين ذلك الإنسان ولم يقع في عين ذلك الإنسان تفاوت حتى أنه يقول أنا ذلك الإنسان الذي كنت موجوداً قبل ذلك إلا أنه يقول إنهم قطعوا يدي ورجلي ، وذلك برهان يقيني على أن ذلك الإنسان شيء مغاير لهذه الأعضاء والأبعاض وذلك يبطل قول من يقول الإنسان عبارة عن هذه البنية المخصوصة .

الحجة الثالثة عشرة : أن القرآن والأحاديث يدلان على أن جماعة من اليهود قد مسخهم الله وجعلهم في صورة القردة والخنازير فنقول : إن ذلك الإنسان هل بقي حال ذلك المسخ أو لم يبق؟ فإن لم يبق كان هذا إماتة لذلك الإنسان وخلقاً لذلك الخنزير وليس هذا من المسخ في شيء . وإن قلنا إن ذلك الإنسان بقي حال حصول ذلك المسخ فنقول على ذلك التقدير : ذلك الإنسان باق وتلك البنية وذلك الهيكل غير باق ، فوجب أن يكون ذلك الإنسان شيئاً مغايراً لتلك البنية .

الحجة الرابعة عشرة : أن رسول الله ??? ???? ???? ???? كان يرى جبريل ???? ?????? ??????? في صورة دحية الكلبي وكان يرى إبليس في صورة الشيخ النجدي فها هنا بنية الإنسان وهيكله وشكله حاصل مع أن حقيقة الإنسان غير حاصلة وهذا يدل على أن الإنسان ليس عبارة عن هذه البنية ، وهذا الهيكل . والفرق بين هذه الحجة والتي قبلها أنه حصلت صورة هذه البنية مع عدم هذه البنية وهذا الهيكل .

الحجة الخامسة عشرة : أن الزاني يزني بفرجه فيضرب على ظهره فوجب أن يكون الإنسان شيئاً آخر سوى الفرج وسوى الظهر ، ويقال إن ذلك الشيء يستعمل الفرج في عمل والظهر في عمل آخر ، فيكون المتلذذ والمتألم هو ذلك الشيء إلا أنه تحصل تلك اللذة بواسطة ذلك العضو ويتألم بواسطة الضرب على هذا العضو .

الحجة السادسة عشرة : أني إذا تكلمت مع زيد وقلت له افعل كذا أو لا تفعل كذا فالمخاطب بهذا الخطاب والمأمور والمنهي ليس هو جبهة زيد ولا حدقته ولا أنفه ولا فمه ولا شيئاً من أعضائه بعينه ، فوجب أن يكون المأمور والمنهي والمخاطب شيئاً مغايراً لهذه الأعضاء ، وذلك يدل على أن ذلك المأمور والمنهي غير هذا الجسد فإن قالوا لم لا يجوز أن يقال المأمور والمنهي جملة هذا البدن لا شيء من أعضائه وأبعاضه؟ قلنا بوجه التكليف على الجملة إنما يصح لو كانت الجملة فاهمة عالمة فنقول لو كانت الجملة فاهمة عالمة فإما أن يقوم بمجموع البدن علم واحد أو يقوم بكل واحد من أجزاء البدن علم على حدة ، والأول يقتضي قيام العرض بالمحال الكثيرة وهو محال ، والثاني يقتضي أن يكون كل واحد من أجزاء البدن عالماً فاهماً مدركاً على سبيل الاستقلال ، وقد بينا أن العلم الضروري حاصل بأن الجزء المعين من البدن ليس عالماً فاهماً مدركاً بالاستقلال فسقط هذا السؤال .

الحجة السابعة عشرة : أن الإنسان يجب أن يكون عالماً ، والعلم لا يحصل إلا في القلب فيلزم أن يكون الإنسان عبارة عن الشيء الموجود في القلب وإذا ثبت هذا بطل القول بأن الإنسان عبارة عن هذا الهيكل ، وهذه الجثة إنما قلنا إن الإنسان يجب أن يكون عالماً لأنه فاعل مختار ، والفاعل المختار هو الذي يفعل بواسطة القلب والاختيار وهما مشروطان بالعلم لأن ما لا يكون مقصوداً امتنع القصد إلى تكوينه فثبت أن الإنسان يجب أن يكون عالماً بالأشياء وإنما قلنا إن العلم لا يوجد إلا في القلب للبرهان والقرآن . أما البرهان فلأنا نجد العلم الضروري بأنا نجد علومنا من ناحية القلب ، وأما القرآن فآيات نحو قوله تعالى : { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } [ الأعراف : 179 ] وقوله : { كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإيمان } [ المجادلة : 22 ] وقوله : { نَزَلَ بِهِ الروح الأمين * على قَلْبِكَ } [ الشعراء : 193 ، 194 ] وإذا ثبت أن الإنسان يجب أن يكون عالماً ، وثبت أن العلم ليس إلا في القلب هو هذا الجسد وهذا الهيكل .

وأما البحث الثاني : وهو بيان أن الإنسان غير محسوس وهو أن حقيقة الإنسان شيء مغاير للسطح واللون وكل ما هو مرئي فهو إما السطح وإما اللون وهما مقدمتان قطعيتان وينتج هذا القياس أن حقيقة الإنسان غير مرئية ولا محسوسة وهذا برهان يقيني .

المسألة الرابعة : في شرح مذاهب القائلين بأن الإنسان جسم موجود في داخل البدن اعلم أن الأجسام الموجودة في هذا العالم السفلي إما أن تكون أحد العناصر الأربعة أو ما يكون متولداً من امتزاجها ، ويمتنع أن يحصل في البدن الإنساني جسم عنصري خالص بل لا بد وأن يكون الحاصل جسماً متولداً من امتزاجات هذه الأربعة فنقول : أما الجسم الذي تغلب عليه الأرضية فهو الأعضاء الصلبة الكثيفة كالعظم والغضروف والعصب والوتر والرباط والشحم واللحم والجلد ولم يقل أحد من العقلاء الذين قالوا : الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد بأنه عبارة عن عضو معين من هذه الأعضاء وذلك لأن هذه الأعضاء كثيفة ثقيلة ظلمانية فلا جرم لم يقل أحد من العقلاء بأن الإنسان عبارة عن أحد هذه الأعضاء ، وأما الجسم الذي تغلب عليه المائية فهو الأخلاط الأربعة ولم يقل أحد في شيء منها إنه الإنسان إلا في الدم فإن منهم من قال إنه هو الروح بدليل أنه إذا خرج لزم الموت ، أما الجسم الذي تغلب عليه الهوائية والنارية فهو الأرواح وهي نوعان . أحدهما : أجسام هوائية مخلوطة بالحرارة الغريزية متولدة إما في القلب أو في الدماغ وقالوا إنها هي الروح وإنها هي الإنسان ثم اختلفوا فمنهم من يقول الإنسان هو الروح الذي في القلب ، ومنهم من يقول إنه جزء لا يتجزأ في الدماغ ، ومنهم من يقول الروح عبارة عن أجزاء نارية مختلطة بهذه الأرواح القلبية والدماغية وتلك الأجزاء النارية وهي المسماة بالحرارة الغريزية وهي الإنسان ، ومن الناس من يقول الروح عبارة عن أجسام نورانية سماوية لطيفة ، والجوهر على طبيعة ضوء الشمس وهي لا تقبل التحلل والتبدل ولا التفرق ولا التمزق فإذا تكون البدن وتم استعداده وهو المراد بقوله : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } نفذت تلك الأجسام الشريفة السماوية الإلهية في داخل أعضاء البدن نفاذ النار في الفحم ونفاذ دهن السمسم في السمسم ، ونفاذ ماء الورد في جسم الورد ، ونفاذ تلك الأجسام السماوية في جوهر البدن هو المراد بقوله : { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } [ ص : 72 ] ثم إن البدن ما دام يبقى سليماً قابلاً لنفاذ تلك الأجسام الشريفة بقي حياً ، فإذا تولدت في البدن أخلاط غليظة منعت تلك الأخلاط الغليظة من سريان تلك الأجسام الشريفة فيها فانفصلت عن هذا البدن فحينئذ يعرض الموت ، فهذا مذهب قوي شريف يجب التأمل فيه فإنه شديد المطابقة لما ورد في الكتب الإلهية من أحوال الحياة والموت ، فهذا تفصيل مذاهب القائلين بأن الإنسان جسم موجود في داخل البدن ، وأما أن الإنسان جسم موجود خارج البدن فلا أعرف أحداً ذهب إلى هذا القول . أما القسم الثاني : وهو أن يقال الإنسان عرض حال في البدن ، فهذا لا يقول به عاقل لأن من المعلوم بالضرورة أن الإنسان جوهر لأنه موصوف بالعلم والقدرة والتدبر والتصرف ، ومن كان كذلك كان جوهراً والجوهر لا يكون عرضاً بل الذي يمكن أن يقول به كل عاقل هو أن الإنسان يشترط أن يكون موصوفاً بأعراض مخصوصة ، وعلى هذا التقدير فللناس فيه أقوال . القول الأول : أن العناصر الأربعة إذا امتزجت وانكسرت سورة كل واحدة منها بسورة الآخر حصلت كيفية معتدلة هي المزاج : ومراتب هذا المزاج غير متناهية فبعضها هي الإنسانية وبعضها هي الفرسية ، فالإنسانية عبارة عن أجسام موصوفة متولدة عن امتزاجات أجزاء العناصر بمقدار مخصوص ، هذا قول جمهور الأطباء ومنكري بقاء النفس وقول أبي الحسين البصري من المعتزلة . والقول الثاني : أن الإنسان عبارة عن أجسام مخصوصة بشرط كونها موصوفة بصفة الحياة والعلم والقدرة والحياة عرض قائم بالجسم وهؤلاء أنكروا الروح والنفس وقالوا ليس ها هنا إلا أجسام مؤتلفة موصوفة بهذه الأعراض المخصوصة وهي الحياة والعلم والقدرة ، وهذا مذهب أكثر شيوخ المعتزلة . والقول الثالث : أن الإنسان عبارة عن أجسام موصوفة بالحياة والعلم والقدرة والإنسان إنما يمتاز عن سائر الحيوانات بشكل جسده وهيئة أعضائه وأجزائه إلا أن هذا مشكل فإن الملائكة قد يتشبهون بصور الناس فها هنا صورة الإنسان حاصلة مع عدم الإنسانية وفي صورة المسخ معنى الإنسانية حاصل مع أن هذه الصورة غير حاصلة فقد بطل اعتبار هذا الشكل في حصول معنى الإنسانية طرداً وعكساً . أما القسم الثالث : وهو أن يقال الإنسان موجود ليس بجسم ولا جسمانية فهو قول أكثر الإلهيين من الفلاسفة القائلين ببقاء النفس المثبتين للنفس معاداً روحانياً وثواباً وعقاباً وحساباً روحانياً وذهب إليه جماعة عظيمة من علماء المسلمين مثل الشيخ أبي القاسم الراغب الأصفهاني والشيخ أبي حامد الغزالي رحمهما الله ، ومن قدماء المعتزلة معمر بن عباد السلمي ، ومن الشيعة الملقب عندهم بالشيخ المفيد ، ومن الكرامية جماعة ، واعلم أن القائلين بإثبات النفس فريقان ، الأول : وهم المحققون منهم من قال الإنسان عبارة عن هذا الجوهر المخصوص ، وهذا البدن وعلى هذا التقدير فالإنسان غير موجود في داخل العالم ولا في خارجه وغير متصل في داخل العالم ولا في خارجه وغير متصل بالعالم ولا منفصل عنه ، ولكنه متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف كما أن إله العالم لا تعلق له بالعالم إلا على سبيل التصرف والتدبير . والفريق الثاني : الذين قالوا النفس إذا تعلقت بالبدن اتحدت بالبدن فصارت النفس عين البدن ، والبدن عين النفس ومجموعهما عند الاتحاد هو الإنسان فإذا جاء وقت الموت بطل هذا الاتحاد وبقيت النفس وفسد البدن فهذه جملة مذاهب الناس في الإنسان وكان ثابت بن قرة يثبت النفس ويقول إنها متعلقة بأجسام سماوية نورانية لطيفة غير قابلة للكون والفساد التفرق والتمزق وأن تلك الأجسام تكون سارية في البدن وما دام يبقى ذلك السريان بقيت النفس مدبرة للبدن فإذا انفصلت تلك الأجسام اللطيفة عن جوهر البدن انقطع تعلق النفس عن البدن .BERSAMBUNG(2013)

Tidak ada komentar:

Posting Komentar

 

Majelis Ulama Indonesia

Dunia Islam

Informasi Kesehatan dan Tips Kesehatan

Total Tayangan Halaman